الإنابة القضائية
الإنابة القضائية هي " التفويض الذي يصدر عن القاضي المكلف بالتحقيق إلى قاض آخر أو ضابط الشرطة القضائية للقيام مكانه بعمل من أعمال التحقيق". وتعرف كذلك بأنها: "إجراء يباشر بمقتضاه ضابط الشرطة القضائية القيام بتنفيذ أمر قضائي موجه إليه من قبل السلطة القضائية، بخصوص تنفيذ أحد الإجراءات المترتبة عن إجراء التحقيق أو المحاكم أو تنفيد مقرر معين، لم يتأت للسلطة القضائية القيام به، لضيق الوقت، أو لبعد المسافة، أو الرغبة في سرعة التنفيذ للإجراء موضوع الإنابة القضائية، كإجراء الاستماع إلى شخص أو شاهد في حالة خطر، أو شخص في وضعية صعبة، أو القيام بمعاينة أو تفتيش، أو حجز".بالتالي؛ يقوم مضمون الإنابة القضائية على أن يطلب قاضي التحقيق، من قاض آخر أو من ضابط من ضباط الشرطة القضائية الموجودين بدائرة نفوذ محكمته القيام بإجراءات ما يراه لازما من أعمال التحقيق في الأماكن الخاضعة لنفوذ ضابط الشرطة القضائية.
تتشابه مصطلحات "الإنابة" مع "التفويض" و"الحلول" في مباشرة الاختصاصات، حتى أن المشرع المصري –على سبيل المثال- استخدم الألفاظ الثلاثة على نحو تبادلي، لأن كلا من التفويض والحلول والإنابة تعتبر طريقا استثنائيا لمباشرة اختصاصات الوظائف، كما أنه في الأحوال الثلاثة يباشر شخص آخر غير شاغلها الأصلي الاختصاص.
وبالنظر لأهمية الإنابة القضائية يلزم لها عدد من الشروط الشكلية، مثل أن تكون كتابية، كما يجب أن تكون مؤرخة، وكذلك أن تكون موقعة وحاملة لخاتم القاضي الأساسي المكلف بالتحقيق. ويلزم لها كذلك أن تكون حاملة: لاسم القاضي المكلف بالتحقيق، ومشيرة لنوع الجريمة التي تسببت في التحقيق، وكذا اسم المتهم وإذا كان مجهولا يجب أن توجه ضد مجهول.
كذلك للإنابة القضائية عدد من الشروط الموضوعية أهمها:
الشرط الأول: بما أنها عمل من أعمال التحقيق، فإنها لا يمكن أن تصدر إلا عن القاضي المكلف بالتحقيق.
الشرط الثاني أن الإنابة القضائية يمكن أن توجه الإنابة إما لقاض آخر مكلف بالتحقيق، أو لقاضي المحكمة الابتدائية، أو لضباط الشرطة القضائية. أما إذا انتدب قاض مكلف بالتحقيق للقيام بعمل طبقا لانتداب قضائي صادر عن قاض آخر للتحقيق وتعذر عليه أن يقوم به، فيمكن أن يوجه انتدابا ثانيا في نفس الموضوع إلى أحد ضباط الشرطة القضائية، أما ضباط الشرطة القضائية فلا يحق لهم أن ينيبوا ضباطا آخرين للقيام بما انتدبوا له.
وبصفة عامة؛ تصاغ الإنابة القضائية على ثلاثة أشكال:
أولا إنابة قضائية محدودة:
وفيها يحدد القاضي المكلف بالتحقيق أنواع العمل اللازم القيام به، فلا يصح أن يتعدى النائب عنه فحوى ما جاء في الإنابة القضائية، مثال: أن يجيء فيها الاستماع إلى فلان أو التفتيش داخل بيت فلان.
ثانيا إنابة قضائية عامة:
فلا يخصص القاضي المكلف بالتحقيق نوعية العمل بل يترك الباب مفتوحا، كأن يجيء في كتابه أن يتم الاستماع إلى كل شاهد، أو القيام بكل ما هو مفيد في البحث. وفي هذا النمط من الإنابة يسمح لضابط الشرطة القضائية بسلطات واسعة ولكن في قضية معينة لا غير.
ثالثا إنابة قضائية دولية:
إذا كانت هناك معاهدة قضائية تربط بين دولتين، فإن قضاة هاتين الدولتين يمكن لهم أن ينيبوا بعضهم للقيام بأعمال التحقيق شريطة أن يوجهوا ذلك عن الطريق الدبلوماسية الرسمية (وزارة الخارجية). ويكون للإجراء القضائي الذي يتم بواسطة إنابة قضائية الأثر القانوني نفسه الذي يكون له فيها لو تم أمام السلطة المختصة في الدولة الطالبة. وتعد الإنابة القضائية الدولية واحدة من مظاهر التعاون الدولي البارزة بين الهيئات القضائية وقد حرصت الدول على تنظيم مجموعة من الإجراءات التي تحكم الإنابة وما يتصل بها عناية منها لإرساء قواعد العدالة، مع المحافظة على استقلالها وبسط سيادتها على إقليمها. وقد زادت أهمية الإنابة القضائية في المجال الدولي نتيجة إلى ما شهدته دول العالم من تقدم في مجال الاتصال وحرية انتقال السلع والأفراد، وتشابك المصالح وتشعب العلاقات الدولية المختلفة، بحيث طالت العولمة كافة المجالات، الأمر الذي ترتب عليه تطور أساليب الجرائم، واستفحال ظاهرة الجريمة المنظمة العابرة للحدود في مجالات كالإرهاب، وتجارة المخدرات، وغسيل الأموال، والاتجار بالبشر،>br> واستغل منظمو ومرتكبو هذه الجرائم ما وفرته التطورات الحديثة في مجال النقل والاتصالات والمعلوماتية من تسهيلات، الأمر الذي جعل التحديات كبيرة أمام القاضي الوطني، حيث مثلت سيادة كل دولة عقبة أمام تحقيق العدالة الجنائية، فلكل دولة قانونها الجنائي والإجرائي المختلف. وهنا تأتي الإنابة القضائية الدولية لتمكن سلطات التحقيق في دولة ما من اتخاذ إجراءات التحقيق في دولة أخرى. وهذا النمط من أهم صور التعاون الدولي القضائي. لأنه يساعد الدول على استكمال ملفات القضايا الوطنية من خلال إجراءات معينة من التحقيقات التي تعجز عنها سلطاتها القضائية، لكون الشهود المتطلب سماع شهادتهم أو الأدلة المطلوبة تقع خارج اقليم الدولة أو في حوزة سلطات اجنبية أخرى. ولهذا اتجهت دول عدة إلى تضمين بعض النصوص في قوانينها الوطنية لتنظم التعاون القضائي الدولي، كما ترتبط الدول باتفاقيات فيما بينها لتنظيم هذه الإنابة.
وبحكم الطبيعة الاتحادية لدولة الإمارات العربية المتحدة، فقد جاء قانون رقم 11 لعام 1973 منظما للعلاقات القضائية بين الإمارات السبع المنشئة للاتحاد، حيث نص القانون المذكور في مادة 5 على أنه: " لكل من الإمارات الأعضاء في الاتحاد أن تطلب من أية إمارة عضو فيه أن تباشر في أرضها نيابة عنها أي إجراء قضائي متعلق بدعوى قيد النظر".
وفي المادة 6 من ذات القانون المذكور تم النص على أن الإجراء المتبع هو أن تقدم الجهة القضائية في أية إمارة إلى الجهة القضائية في إمارة أخرى طلب الإنابة القضائية، وأن تقوم الجهة القضائية المختصة بتنفيذ الإنابة المطلوبة طبقا للإجراءات القانونية المتبعة لديها، على أنه إذا رغبت الجهة القضائية الطالبة في تنفيذ الإنابة بطريقة أخرى أجيبت إلى رغبتها ما لم يتعارض ذلك مع قوانين الإمارة المنفذة. كما أشار القانون إلى ضرورة أن تحاط الجهة القضائية الطالبة علما بمكان وزمان تنفيذ الإنابة كي يتاح لصاحب الشأن أن يحضر بنفسه أو بوكيل عنه. أما إذا كانت الإنابة تتعلق بموضوع أو إجراء لا يجيزه قانون الإمارة المطلوب إليها التنفيذ أو إذا تعذر التنفيذ، ففي كلتا الحالتين تشعر الجهة القضائية المطلوب إليها التنفيذ، الجهة الطالبة بذلك، مع بيان الأسباب.
الإكراه
يأتي مصطلح "الإكراه" في التعريف المعجمي من فعل "أكره"، ويعرف بأنه حمل الغير على ما لا يرضاه قهرًا. وهو في الاصطلاح الفقهي: حمل الغيرِ على أن يفعل ما لا يرضاه، ولا يختار مباشرته، لو ترك ونفسه. أما الإكراه في المعجم القانوني فهو: الضغط على إرادة الغير بحيث تشكل وفقا لإرادة من يباشر الإكراه. وقد تعرض المشرع الإماراتي في مادتي 176 و177 من قانون المعاملات المدنية رقم 5 لسنة 1985 لكُنْه الإكراه فذكر أنه: "إجبار الشخص بغير حق على أن يعمل عملا دون رضاه ويكون الإكراه ملجئا أو غير ملجئ كما يكون مادياً أو معنويا". ويكون الإكراه ملجئاً (أي كاملا أو تاما) إذا كان تهديداً بخطر جسيم محدق يلحق بالنفس أو المال. ويكون غير ملجئ (ويعرف كذلك بالإكراه الناقص والقاصر) إذا كان تهديداً بما دون ذلك.
وبناءً على التعريفات السابقة؛ ينقسم الإكراه إلى الإكراه المادي والإكراه المعنوي.
يتمثل الإكراه المادي في إجبار شخص على إبرام تصرف أو القيام بفعل ما بقوة مادية لا يستطيع مقاومتها، ولا يملك سبيلاً لدفعها فتشل إرادته وتفقده حرية الاختيار، ويصبح كأنه آلة مسخرة بها: كالإمساك بإبهامه وجعله يبصم على سندٍ إقراراً منه بالتزام معين.
ويعد الإكراه المادي حالة من حالات القوة القاهرة التي تتم من جانب الإنسان. وعلى هذا فإن الإكراه المادي ينتزع الرضا عنوة لا رهبة، وقد يحدث الإكراه المادي لسبب داخلي، مثل أن يصاب قائد السيارة بالشلل المفاجئ الذي يعجزه عن السيطرة على القيادة فيتسبب في حادث.
أما الإكراه المعنوي فهو تهديد يوجه من شخص إلى آخر بوسيلة ما، فيولد فيه حالة نفسية من الخوف والفزع تجعله يقدم على الإقرار بقبول ما لم يكن ليقبله اختياراً. فالفرق بين الإكراه المادي والإكراه المعنوي هو أن الإرادة في حالة الإكراه المادي مشلولة أو مكفوفة، أي كأنها غير موجودة إطلاقاً، في حين أنها تكون موجودة في حالة الإكراه المعنوي، ولكنها معيبة وفاسدة.
وللإكراه المعنوي صورتان؛ الأولى الإكراه الخارجي وهو الذي يعود إلى مصدر خارجي كوجود شخص يقوم بتهديد آخر لحثه على عمل، والصورة الثانية هي الإكراه الداخلي، وهو ما يصدر عن العواطف والمعتقدات والظنون والقناعات.
وقد توافقت القوانين على تحديد عدد من الشروط العامة المؤطرة للإكراه منها: أن يكون هناك تهديد بخطر جسيم محدق، ويتم التهديد بوسائل مادية، كالسلاح وغيره، يكون من شأنها أن تصور للشخص أن هناك خطراً حقيقياً وجسيماً وشيك الوقوع على نفسه أو جسمه أو ماله، أو على شخص آخر عزيز عليه. وهكذا يمكن أن يعدّ التهديد بالضرب أو الإيذاء، أو الاعتداء على الكرامة حالة إكراه واقعية إذا ما وقع على الإنسان نفسه، أو على قريب له كالابن أو الأخ أو الزوجة أو أي شخص آخر تربطه به علاقة حميمة، ويستوي في ذلك كون هذه العلاقة علاقة دم أو نسب أو صداقة. وقد يتوجه التهديد إلى المال، كالتهديد بإحراق المنزل، أو إتلاف المحصول. كما يجب أن يكون التهديد وشيك الوقوع،>br> فلو كانت هناك مُدَّة لاحقة من الزمن بين التهديد وإمكان وقوع الخطر المُهدَّد به، لاستطاع المهدَّد أن يتخذ الاحتياطات اللازمة لمنع وقوع ذلك الخطر.
يجب كذلك أن تكون وسيلة التهديد غير مشروعة، أما إذا كانت وسيلة التهديد مشروعة، فليس ثمة تهديد يعيب الإرادة، وعلى هذا الأساس فإنه لا يعد إكراها تهديد الدائن لمدينه بالحجز على أمواله، إذا لم يدفع الدين الذي في ذمته. ومن شروط الإكراه –أيضا- ألاّ يكون باستطاعة المُكْرَه دفع الإكراه أو منع الخطر بأي وسيلة. وانعقد إجماع النصوص التشريعية التي تتحدث عن الإكراه وحالة الضرورة – رغم اختلاف تعبيراتها – على عدم توقيع العقاب على مرتكب الجريمة في هذه الظروف، وهذا ما اصطلح على تعريفه ب "آثار الإكراه"، وهي الآثار المترتبة على حالة الإكراه بنوعيه، المادي والمعنوي.
وقد كان الفقه الإسلامي سباقا في هذا المجال،>br> حيث رأى فقهاء المالكية والحنفية والصحيح في مذهب الشافعية والظاهر في فقهاء الحنابلة أن ترفع العقوبة المقررة عن المكرَه أيا كان نوعها –جنحة أو جناية أو مخالفة-. وسارت جل التشريعات على ذات النهج من إبطال التصرف الذي تمّ تحت تأثير الإكراه، لأن الإرادة لم تكن حرة في أثناء إبرامه. ومن ثمّ فإنه يترتب على الإبطال إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل التصرف.
وفي أغلب التشريعات الجنائية صنف الإكراه كنوع من الضرر، ولهذا يمكن أن يطالب الشخص المُكرَه بالتعويض عن الضرر الذي أصابه من جراء الإكراه على أساس قواعد المسؤولية التقصيرية، التي تقوم على قاعدة أن "كل خطأ سبّب ضرراً للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض". وذهب المشرع الإماراتي إلى أن الإكراه عيب من عيوب الرضا في التعاقد، بمعنى أنه إذا وقع الإكراه فإن العقد لا يكون نافذا، كما نصت المادة 182 من قانون المعاملات المدنية على أن: "من أكره بأحد نوعي الإكراه على إبرام عقد لا ينفذ عقده، ولكن لو أجازه المكره أو ورثته بعد زوال الإكراه صراحة أو دلالة يصبح العقد نافذاً".
لكن يشترط –بطبيعة الحال- إثبات الإكراه ابتداءً، قبل إبطال التصرف الناتج عنه. وتستخدم البيّنة الشخصية (الشهادة) والقرائن لإثبات الإكراه، كما يمكن إثباته بالإقرار، واليمين الحاسمة. ويقع عبء الإثبات على عاتق الشخص الذي يدعي بوقوع الإكراه عليه. وحاولت الفقرة الثانية من المادة رقم 64 من قانون العقوبات الإماراتي رقم 3 لسنة 1987 أن تنظم فقط الآثار القانونية المترتبة عليه، فتم النص على أنه <لا يسأل جنائيا من ارتكب جريمة ألجأته إليها ضرورة وقاية نفسه أو ماله أو نفس غيره أو ماله من خطر جسيم أو على وشك الوقوع، ولم يكن لإرادته دخل في حلوله. كما لا يسأل جنائيا من أُلجئ إلى ارتكاب جريمة بسبب إكراه مادي أو معنوي
الإفلاس
يأتي مصطلح "الإفلاس" في التعريف المعجمي من مصدر "أفلس": جمع فلس، فلوس، فيقال أفلس الرجل أي لم يعد معه فلس، ويقال أعلنت الشركة عَنْ إفْلاَسِها: أي أعلنت عن خسارَتها، وأقرت بفشلها التجاري. ويقال فلسه القاضي تفليسا بمعنى أن القاضي أعلن رسميا أن شخصا أفلس. فالإفلاس حالة تترتب على توقُّف التاجر عن الوفاء بديونه، كما تعني عموما العجْز المالي. بحيث يكون الإفلاس معبرا عن حالة المرء الذي لم يعد باستطاعته الإيفاء بالتزاماته. ويستخدم مصطلح "إفلاس الدَّولة" ليعني: توقُّف الدولة عن دفع سندات التسليف. كما يكون تعريف الإفلاس بإعلان القضاء أن شخصاً طبيعياً أو معنوياً غير قادر على سداد ديونه.
وفي القانون الإفلاس يعني: طريقا من طرق التنفيذ على مال المدين التاجر عندما يتوقف عن دفع ديونه التجارية، يهدف إلى تنشيط الائتمان ودعم الثقة في المعاملات التجارية وذلك بسلسلة من الإجراءات والقواعد تهدف لحماية وصون مصالح وحقوق الدائنين.
ويقوم التنظيم القانوني للإفلاس على عدد من الأسس.
أولها: حماية الدائنين وتمكينهم من الحصول على حقوقهم أو على القدر الممكن منها وعلى قدم المساواة فيما بينهم، وحيث أن التاجر قد يتعمد التصرف في أمواله عند شعوره بتوقفه عن سداد ديونه، لذلك كان منطقيا أن يرتب المشرع القانوني على صدور حكم الإفلاس منع المدين من التصرف في أمواله. على الجانب الآخر وكما تكون حماية الدائنين من أفعال المدين المفلس عن طريق غل يده عن إدارة أمواله، فيجب تحقيق حماية الدائنين من بعضهم البعض أيضا، وذلك عن طريق مبدأ المساواة فيما بينهم ومنعهم من التزاحم للحصول على مزايا غير عادية متى اضطربت أعمال المدين.
الأساس الثاني: التنظيم القانوني للإفلاس وهو تحقيق التوازن بين المصالح المتعارضة. فإذا وجد تعارض بين مصالح المدين المفلس والدائنين، فالمشرع غل يد المدين عن إدارة أمواله وتسليمها إلى أمين التفليس تمهيدا لتصفيتها، فقد أعطى في الوقت نفسه للمدين المفلس مبلغا للإنفاق على نفسه وعائلته. ويمتد تعارض المصالح الذي عمد الشارع إلى تنظيمه إلى الدائنين أنفسهم، فمصالح الدائنين العاديين تتعارض مع الدائنين أصحاب التأمينات الخاصة، وكذلك تتعارض مصالح الدائنين قبل إشهار الإفلاس مع أولئك الذين نشأت حقوقهم بعد إشهار الإفلاس.
الأساس الثالث: للتنظيم القانوني للإفلاس هو أن الإفلاس نظام للتصفية الجماعية، فلا يباشر أحد الدائنين أي إجراءات فردية للتنفيذ على أموال المدين، بل تكون الإجراءات التي تتخذ للتصفية والتنفيذ جماعية يتخذها أمين التفليسة باسم جميع المدينين. وثمة خصائص عدة حددتها القوانين المختلفة لنظام الإفلاس أولها: أنه نظام خاص بالتجار، فهو لا يسري إلا على التجار. والتاجر هو كل شخص سواء كان فردا أو شركة مارس الأعمال التجارية بصفة دورية منتظمة وعلى وجه الاحتراف بقصد التكسب والعيش. الخاصية الثانية: أن الإفلاس لا يكون إلا بإجراء قضائي، فإعلان إفلاس المدين لا يكون إلا بحكم قضائي كاشف للتوقف عن الدفع. أما الخاصية الثالثة فهي أن الإفلاس إجراء جماعي: ذلك أن توقف المدين عن دفع ديونه التجارية لا يقتصر ضرره على المصالح الخاصة للدائنين، بل من شأنه المساس بالمصلحة العامة، لما يؤدي إليه من خلل يصيب مجتمع التجار. ومن أجل هذا فإن المشرع اعتبر الإفلاس بالتقصير والإفلاس بالتدليس جريمة وفيهما يقترن إفلاس المدين بأخطاء من طفيفة إلى جسيمة. الخاصية الرابعة: يقوم الإفلاس على تبسيط الإجراءات وسرعتها وذلك محاولة للوصول إلى نهايته في أسرع وقت ممكن، وذلك باختصار مواعيد الطعن وشمول أحكام الإفلاس للنفاذ العاجل. أما الخاصية الخامسة فهي: أن أحكام الإفلاس أغلبها قواعد تعد من النظام العام لتعلقها بتنشيط الائتمان،
ومؤداها أنها - ودون الحاجة إلى نص خاص - تحكم الآثار التي لم تستقر والتي تترتب في وقت نفاذها، ولو كانت ناشئة عن مراكز قانونية سابقة عليه، وذلك إعمالا لما لها من أثر فوري. وتجدر الإشارة إلى أن ثمة ترابطا بين مصطلح "الإفلاس" ومصطلح "الإعسار"، فالإعسار هو نظام خــــاص بالمدنيين غير التجار، ويفترض عدم كفاية أموال المدين للوفاء بديونه المستحقة، وأهم ما يميزه عن الافلاس أنه لا يعتبر نوعـــاً من التصفية الجماعية لأموال المدين المعسر، فــلا يترتب على إعلان الإعسار منع الدائنين من اتخاذ إجراءات فردية تجاه المدين.
وقد اهتم الشارع الإماراتي بقضية الإفلاس اهتماما كبيرا، نظرا لما لها من تأثير على قطاع واسع من المجتمع، هم التجار بصفتهم الطبيعية والاعتبارية، وانعكاس ذلك على الاقتصاد الوطني، فورد في المذكرة الإيضاحية لقانون المعاملات التجارية الإماراتي رقم 18 لسنة 1993 اعتبار التاجر الذي يتوقف عن تأدية ديونه التجارية في موعدها أنه في حالة إفلاس، وسوى بين هذا التوقف الفعلي مع حالة التاجر الذي يستعمل في سبيل الوفاء لديونه وسائل غير مشروعة أو غير عادية تدل على سوء حالته المالية. كما وضع القانون الإماراتي آنف الذكر شروطا لإعلان الإفلاس هي: أن يكون المدين المفلس تاجرا، وأن يتوقف عن الدفع كنتيجة لاضطراب مركزه المالي وتزعزع ائتمانه، وأن تكون الديون التي توقف عن سدادها تجارية وغير متنازع عليها، وأن تكون هذه الديون مستحقة الدفع. بحيث إذا ما توافرت هذه الشروط يتم تعيين رئيس الدائرة التي قضت بإشهار الإفلاس قاضيا للتفليسة يلاحظ إجراءات وأعمال التفليسة،>br> وكذلك تعيين أمين أو أكثر للتفليسة ليتولى إدارتها. كما عكف المشرع الإماراتي على إعداد مشروع قانون جديد للإفلاس والإعسار –لازال في طور الموافقة عليه- يتضمن بنودا خاصة بسرعة البت في الإجراءات، وذلك للتخفيف من الأعباء المطلوبة لتقديم طلب الصلح الواقي الذي يتيح للطرف المدين إعادة هيكلة أعماله بمقتضى خطة صلح واقٍ من الإفلاس مع دائنيه، وذلك تحت إشراف الجهة المعنية. كما يعمل مشروع القانون الجديد على خلق بيئة استثمارية مثالية تضمن حماية حقوق الأطراف وفق آليات مدروسة، فيسمح مشروع القانون للمدين بإعادة تنظيم المديونية، ويتيح له الاقتراض من جديد بشروط ميسرة، كما أنه يحمي المدين من الملاحقة الجزائية، وينفي صفة الجنائية عن الالتزامات المالية للشخص المعسر. ويسمح القانون الجديد للمدين بإعادة تنظيم المديونية، ويتيح له الاقتراض من جديد وبشروط ميسرة، كما أنه يحمي المدين من الملاحقة الجزائية، وينفي صفة الجنائية عن الالتزامات المالية للشخص المعسر. يسهم مشروع القانون المذكور كذلك في الحفاظ على حيوية القطاع المالي، من خلال الحلول التي يوفرها بالنسبة للمدينين الذين يواجهون حالات إعسار، أو يقتربون من حافة الإفلاس، وبالتالي، سيعزز من ثقة المصارف في السوق المحلية وبأداء عملائها.
الإفراج الشرطي
يعرف الإفراج الشرطي بأنه "إطلاق سراح المحكوم عليه بعقوبة مقيدة للحرية قبل انقضاء كامل مدة عقوبته، إطلاقا مقيدا بشروط، تتمثل في التزامات تفرض عليه وتقيد حريته، وتعلق هذه الحرية على الوفاء بتلك الالتزامات". بتعبير آخر هو: "وسيلة استخدمتها النظم العقابية المتطورة للحد من مساوئ الإبقاء في المؤسسات العقابية لفترات طويلة قد تكون لها آثارها السيئة التي تعوق إعادة تأهيل السجين وتقويمه". وبمقتضى هذا النظام الشائع يقضي السجين في المؤسسة العقابية فترة معينة من العقوبة يتقرر بعدها إخلاء سبيله أو الإفراج عنه قبل انتهاء المدة المحكوم عليه بها، بحيث إذا ساء سلوك المحكوم عليه أو خالف الالتزامات المفروضة عليه خلال مدة الإفراج الشرطي ألغي الإفراج،>br> ويعود إلى المنشأة العقابية لقضاء المدة المتبقية من العقوبة. وينتهي الإفراج إما بانقضاء مدته فيتحول بذلك إلى إفراج نهائي، أو بإلغائه وإعادة المستفيد منه إلى السجن مرة أخرى. ويرجع الإفراج الشرطي –تاريخيا- إلى فرنسا حيث قام " ميرابو " في عام 1790 بتقديم تقرير إلى الجمعية الوطنية الفرنسية يطالب فيها بإدخال نظام الإفراج الشرطي في قانون العقوبات الفرنسي كإحدى الوسائل لإصلاح أنظمة السجون. وفي عام 1874م قام القاضي الفرنسي الشهير " بونفيل دي مارسانجاني " بقيادة حملة واسعة لصالح الإفراج الشرطي،
واستمر في هذه الحملة وكان أشهر المتحمسين والداعيين لها، إلى أن قامت الجمعية الوطنية الفرنسية بتبني نظام الإفراج الشرطي في سنة 1885. وتم إدخال الإفراج الشرطي تباعا لتشريعات الدول، فطُبق هذا النظام في انجلترا سنه 1850، وأخذ به قانون سكسونيا سنة 1862، وقانون العقوبات الألماني (مادة 26)، وقانون العقوبات الإيطالي ( المادتين 176 و177 )، وأدخل هذا النظام في مصر بالمرسوم الصادر 23 ديسمبر 1897،>br> ونص القانون الاتحادي الإماراتي رقم 43 لسنه 1992 الخاص بتنظيم المنشآت العقابية على نظام الإفراج الشرطي في المواد (44- 47 )، كذلك تضمن قانون الإجراءات الجزئية الاتحادي رقم 35 لسنه 1992 المادة 302 منه وهي تتعلق بالإفراج الشرطي، حيث تنص على أنه : " يجوز الإفراج تحت شرط عن كل محكوم عليه بعقوبة مقيدة للحرية إذا توافرت في حقه الشروط المنصوص عليها في قانون المنشآت العقابية، ويخضع المفرج عنه تحت شرط خلال باقي المدة المحكوم بها عليه للشروط المبينة في القانون المشار إليه.
ويجوز بناء على طلب النيابة العامة إلغاء الإفراج تحت شرط إذا أخل المفرج عنه بالقيود المشار إليها في الفقرة السابقة". والواقع أن الإفراج الشرطي ليس إنهاءً للعقوبة، بل هو أحد أساليب المعاملة العقابية أو أحد أساليب التنفيذ العقابي، لذا فإنه لا يعد وقفاً للعقوبة أو إنهاء لتنفيذها أو سببا لانقضائها وإنما هو تعديل في أسلوب تنفيذها، وبالتالي لا تنقضي العقوبة إلا إذا انتهت مدتها المحددة في الحكم كاملة دون إلغاء الإفراج الشرطي. كما أن الإفراج الشرطي ليس إفراجاً نهائياً، إذا هو عرضة خلال مدة الإفراج الشرطي لأن يلغى، ولا يتحول الإفراج الشرطي إلى إفراج نهائي إلا إذا انقضت مدته دون أن يلغى. كما لا يعد الإفراج الشرطي حقا للمحكوم عليه،>br> فلا يستطيع هذا الأخير أن يطالب بالإفراج عنه لتوافر الشروط لدية، وبالتالي هي لا تحتاج إلى موافقة المحكوم علية لكي تقرر الإفراج عنه. وتقر أغلب الدول الإفراج الشرطي في تشريعاتها لأن له مزايا منها: أنه يحث المحكوم عليه على الالتزام بالسلوك القويم خلال فترة تنفيذ العقوبة داخل السجن من أجل الاستفادة من الإفراج الشرطي. وأنه يساعد على تأهيل المحكوم عليه اجتماعياً من ناحيتين: الأولى: من خلال ما يتضمنه من تدابير الرقابة والمساعدة والالتزامات التي تفرض على المفرج عنه تحت شرط. وثانيا أنه يكفل تحقيق التدرج في معاملة المحكوم عليه.
كما أنه يساهم في إصلاح المحكوم عليه خارج المؤسسة العقابية، وذلك تمهيداً لاندماجه في المجتمع وتكيفه معه من أجل إعداده للإفراج النهائي عنه وقد وضع المشرع الإماراتي شروطا للإفراج الشرطي هي: الشروط الموضوعية، والشروط الإجرائية. وقسم الشروط الموضوعية إلى قسمين :
أ. شروط تتعلق بالمدة التي يقضيها المحكوم عليه داخل السجن. ب. شروط تتعلق بالمحكوم عليه. الشروط التي تتعلق بالمدة هي: أولا أن يطبق الإفراج الشرطي لجميع العقوبات السالبة للحرية وأياً كان نوع الجريمة. ثانيا لا يطبق الإفراج الشرطي بالنسبة للتدابير الاحترازية. ثالثا وجوب أن يكون المحكوم عليه قد أمضى ثلاثة أرباع المدة المحكوم بها.
مع ملاحظة أنه إذا كانت العقوبة هي السجن المؤبد، فيفرج عنه إذا قضى عشرين عاماً ويجوز للمحكوم عليه أن يتقدم بطلب بعد 15 عاماً. أما الشروط الخاصة بالمحكوم عليه فهي: أن يكون سلوك المحكوم عليه يدعو إلى الثقة بتقويم نفسه، وإلا كان الإفراج الشرطي عن المحكوم عليه خطرا على الأمن العام. أما الشروط الإجرائية للإفراج الشرطي في القانون الإماراتي فهي أنه يعطي السلطة الإدارية الإفراج في حالات ويعطي السلطة القضائية الإفراج في حالات أخرى. وفي هذه النقطة، حاول المشرع الإماراتي أن يحل الجدل بين القانونيين وقد اختلفت نظرة المشرعين والباحثين فيما يتعلق بتكييفه من الناحية القانونية عن تكييفه من الناحية العقابية. إذ ذهب رأي إلى اعتبار الإفراج الشرطي عملا إدارياً محتجاً في ذلك بأنه في حقيقته تعديل للمعاملة العقابية كي تلائم التطور الذي طرأ على شخصية المحكوم عليه،
وهو من هذه الوجهة أشبه بأوجه النشاط الإداري التي تمارسها الإدارة العقابية تنفيذاً للعقوبة. وذهب رأي ثانٍ إلى اعتباره عملا قضائيا لأنه ينطوي على مساس بالقوة التنفيذية للحكم ويدخل تعديلا عليه من حيث تحديد مدة معينه للعقوبة.
الاقتراح التشريعي:
يعرف الاقتراح التشريعي بأنه "عرض مشروع القانون على السلطة المختصة بالتشريع ابتغاء استيفاء الإجراءات الواجبة دستورياً لصدور تشريع به". بهذا المعنى يعد الاقتراح التشريعي ذو أهمية كبيرة باعتباره الخطوة الأساسية في التشريع، فهو اللبنة الأولى في البناء القانوني والذي من دونه لا يقوم. ويمر التشريع القانوني العادي بعدد من المراحل قبل أن يصبح قانوناً، فتبدأ مراحل التشريع بمرحلة اقتراح التشريع، حيث يقدم "الاقتراح" إلى السلطة التشريعية، لكي تتخذ بشأنه الإجراءات اللازمة، من نقاش وتعديل وإضافة وحذف، وعند هذا الحد يعرف بـ "المشروع القانوني"، وتكون المرحلة التالية من عمر الاقتراح التشريعي هي صياغة المسودة الأولى له، وتبدأ في هذه المرحلة عملية التجسيد الواقعي لتلبية الاحتياج التشريعي، وتحقيق الأغراض التي رمت إليها السياسة التشريعية، على شكل مسودة أولى لمشروع القانون المرغوب إصداره، ويتم مناقشة هذه المسودة من السلطة التشريعية. لاحقا يتم التصديق عليه من السلطة التي أقرها الدستور وعندها يصبح المشروع "قانونا"،> > وتختلف السلطة التي تقوم بالتصديق على القانون في النهاية من جهة إلى أخرى حسبما يقرر دستور كل دولة. وبمجرد التصديق على القانون يعتبر حينها جزءاً من قانون النظام الأساسي للدولة. ولممارسة حق اقتراح التشريعات يشترط توافر شقين أحدهما موضوعي والآخر شخصي. أما الشق الموضوعي فهو: أن يستهدف الاقتراح وضع أسس التشريع الأولى، ويترتب على ذلك أن يكون موضوع الاقتراح واحدا من الموضوعات التي يعالجها القانون وفقاً لدستور الدولة، فلا يكفي أن يكتب على رأس فكرة ما عبارة " اقتراح" بل يشترط أن يتقيد المقترح بالحدود الدستورية التي تبين نطاق القانون.
وأما الشق الشخصي فهو أن يتقدم بالاقتراح من ينيط به الدستور هذه المهمة، فالعريضة التي يتقدم بها أحد المواطنين لا تعتبر اقتراحاً لقانون، ما لم يتبنَ أفكارها أحد أعضاء البرلمان أو الحكومة أو الجهة المنوطة باقتراح التشريعات. فحق الاقتراح هو الحق الذي يمارسه "أحد المختصين" بذلك، بقصد وضع أسس التشريع، ويعتبر العمل اقتراحاً بقانون متى توافرت به الشروط السابقة.
وبالنسبة للمنوط بهم اقتراح التشريعات، فثمة ثلاثة توجهات للدساتير في تحديد صاحب الحق في اقتراح تشريعات، التوجه الأول: تجعل دساتير حق الاقتراح حقا خاصا بالسلطة التشريعية، وقد أخذت بهذا الاتجاه الدساتير التي تأخذ بنظام الجمهورية الرئاسية، حيث تحرم السلطة التنفيذية من حق اقتراح القوانين، وتقصره على السلطة التشريعية، ذلك أن هذه الدساتير ترى أن مبدأ الفصل بين السلطات يمنع السلطة التنفيذية من الاشتراك في التشريع بأي وجه من الوجوه كالدستور الفرنسي لعام 1791، حيث تبنى نظام انفراد البرلمان بحق الاقتراح. والواقع أن فكرة التعاون بين السلطات سرعان ما أضعفت هذا الرأي،>br> وتجاوزت الأحداث هذا الرأي، فحتى في ظل هذه الدساتير التي تبنت انفراد السلطة التشريعية بحق الاقتراح، قام الوزراء باقتراح القوانين عن طريق اتصالهم باللجان البرلمانية، ولذا تم إحداث تعديلات دستورية تسمح بتعاون السلطتين التنفيذية والتشريعية في مجال اقتراح التشريعات. التوجه الثاني: فهو دساتير تجعل حق الاقتراح حقا مشتركا لكل من السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، بحيث يمنح الدستور حق اقتراح القوانين لكل من السلطتين التشريعية والتنفيذية في آن واحد. وقد أقرت هذا الاتجاه الدساتير التي أخذت مبدأ الفصل المرن بين السلطات، كما هو الحال في دستور الولايات المتحدة الأمريكية والدستور المصري والدستور الأردني والدستور اللبناني. أما التوجه الثالث: فدساتير تجعل من حق الاقتراح حقا خاصا بالسلطة التنفيذية. فتمنح السلطة التنفيذية حق الاقتراح دون السلطة التشريعية، وهذا ما أخذ به الدستور المصري حتى عام 1930. وفي إطار هذا التوجه يأتي دستور دولة الإمارات العربية المتحدة، الذي ينص في المادة رقم 110 منه على أن يعد مشروع القانون قانونا بعد إعداد مجلس الوزراء له وعرضه على المجلس الوطني الاتحادي (أي على الكيان التشريعي) ويعرض مجلس الوزراء مشروع القانون على رئيس الاتحاد للموافقة عليه ولعرضه على المجلس الأعلى للتصديق عليه.
وتسلسل مراحل إصدار القانون في دولة الإمارات العربية المتحدة هو:
الاقتراح : (مجلس الوزراء/ السلطة التنفيذية) يكون من حق مجلس الوزراء ثم يعرض على المجلس الوطني الاتحادي للاقتراع عليه.
الإقــرار : (المجلس الوطني /السلطة التشريعية ) يقوم المجلس الوطني الاتحادي بعملية الاقتراع على المشروع، وهنا تكون ثلاثة احتمالات في هذا السياق: الأول: أن يقر المجلس الوطني الاتحادي المشروع. الثاني: أن يقوم المجلس الوطني الاتحادي بإدخال تعديلات على المشروع. الثالث: أن يرفض المجلس الوطني الاتحادي المشروع.
الإصـدار: (المجلس الأعلى للاتحاد ) وتمـر بخطوتين: الأولى : أن يصدق المجلس الأعلى على المشروع. الثاني: إصدار قانون من رئيس الاتحاد (سمو رئيس الدولة).
النـشـر : يجب أن تنشر القوانين الصادرة في الجريدة الرسمية .
وأيا كان من له أحقية اقتراح التشريعات، فإنه لصياغة الاقتراح التشريعي عددا من المراحل اتفق على وجوبيتها، وضرورة الالتزام بها، منها: التأكّد من وجود سند دستوري أو قانوني للإصدار، وكذلك التأكّد من الحاجة لإصدار التشريع المقترح من خلال دراسة الأسباب الموجبة والتشريعات ذات العلاقة، ودراسة نصوص المشروع موضوعاً وشكلاً وإجراء التعديلات عليه في ضوء عدد من الاعتبارات مثل: عدم مخالفة أحكام المشروع لأحكام الدستور، وعدم مخالفة أحكام المشروع للاتفاقيات الدولية الموقعة من قبل الدولة، ومراعاة أحكام المشروع للمعتقدات والقيم السائدة في المجتمع، والاسترشاد بالاجتهادات القضائية والفقهية والقوانين المقارنة في الحدود التي يتطلبها إكمال النقص في المشروع إن وجد.
انتقال الالتزام:
يقصد بـ "انتقال الالتزام" : "تغير أحد طرفي الالتزام (المدين أو الدائن)"، كما يعرف بأنه "تحويل الرابطة القانونية التي تربط بين الدائن والمدين لأشخاص آخرين".
ومعنى ذلك أن يتحول الالتزام بجميع خصائصه، وضماناته، وصفاته من أحد أطراف الرابطة القانونية إلى شخص آخر يحل محله فيها. ويوجد نمطان من "انتقال الالتزام"؛ النمط الأول هو: "حوالة الحق": وهي اتفاق ينقل به الدائن حقه قِبَل المدين إلى شخصٍ آخر ليصبح دائناً مكانه، ويسمى الدائن الأصلي هنا بالمحيل، والدائن الجديد بالمحال إليه، والمدين بالمحال عليه. وتقع حوالة الحق على جميع الحقوق الشخصية أياً كان محلها، وأياً كانت أوصافها أو طبيعتها، ومن ضمنها الحقوق المضافة لأجل، والحقوق المعلقة على شرط، والحقوق المدنية والتجارية.
ولحوالة الحق عدد من الأركان منها: رضى المحيل والمحال له دون رضى المدين؛ لأنه يستوي لدى المدين استبدال دائن بآخر؛ لأنه لن يترتب على هذا التغيير أية زيادة في عبء الالتزام بالنسبة إليه. ويشترط لحوالة الحق أن يكون لها سبب مشروع؛ فهذه الحوالة قد تكون بمقابل أي بالبيع مثلاً أو بغير مقابل بالهبة. وقد يقصد المحيل بالحوالة الوفاء بدين عليه للمحال إليه، فينزل له عن الحق المحال به مقابل ما يلتزم تجاهه من دين، ويكون الوفاء هنا وفاء بمقابل. كما يشترط لها قبول المدين (صراحةً أو ضمناً)، وأن يكون قبوله معاصراً لانعقاد الحوالة أو تالياً له، ولكن لا يجوز أن يكون سابقاً على الانعقاد حتى لو صرّح المدين في سند الدين أنه يقبل مقدماً حوالة الحق للغير؛ لأنّ المقصود هو علم المدين بإجراء الحوالة، ولن يتحقق هذا العلم إلا بالقبول اللاحق. ويقتصر مدلول قبول المدين على مجرد العلم بالحوالة دون أن يتضمن هذا القبول أي إقرار من المدين بالدين المحال. وأيضا من شروط "حوالة الحق" أن يتم إبلاغ المدين بالطريق الرسمي،>br> كأن يتم ذلك بواسطة ورقة رسمية عن طريق المحضر، وذلك بناءً على طلب المحيل أو المحال له. والواقع إن لـ "حوالة الحق" أهمية بارزة في تحقيق مصالح متعددة. فقد يهدف المحيل (الدائن) أن يرهن حقه عند المحال له (الدائن الجديد)، وذلك في الحالات التي يكون حقه فيها مؤجلا وكان يريد قدرا من السيولة النقدية دون بيع هذا الحق. و"حوالة الحق" جائزة باتفاق المذاهب الأربعة، إلا أن منهم من اختلف حول موضوعها، فهناك من أجازها في الذهب والمال فقط ومنعها في الطعام، على سبيل المثال. النمط الثاني من "انتقال الالتزام" هو: "حوالة الدين": وهي اتفاق بين طرفين على نقل عبء الدين من ذمة المدين الأصلي، وهو "المحيل" إلى ذمة مدين جديد يحل محله يسمى "المحال عليه". كما يتم تعريفها على أنها: "اتفاق يتم بمقتضاه نقل الدين من ذمة المدين إلى ذمة الغير، فيحل هذا الأخير محله في الدين نفسه بجميع مقوماته". وحسب التعريف تفترض حوالة الدين وجود ثلاثة أشخاص: المحيل (المدين الأصلي) والمحال عليه (المدين الجديد) والمحال له (الدائن). وهي بدورها نوعان: "الحوالة المقيدة" ويكون الوفاء فيها من مال المحيل في ذمة المحال عليه. و"الحوالة المطلقة" ويكون الوفاء فيها من مال المحال عليه نفسه. ويترتب على "حوالة الدين" انتقال الدين نفسه بصفاته ودفوعه وتأميناته إلى المدين الجديد. ما يعني براءة ذمة المدين قبل الدائن،
حيث يصبح المحال عليه هو المدين بدلا منه، ولكن هذه البراءة معلقة على شرط أن يتمكن الدائن من استيفاء حقه، وإلا جاز له الرجوع على المحيل. وتنعقد حوالة الدين إما بين المدين الأصلي والمدين الجديد الذي انتقل إليه الدين، وإما مباشرةً عبر عقد يتم بين الدائن والمحال عليه.
وأوجبت التشريعات أن يكون لحوالة الدين محل، وأن يكون هذا المحل مستوفياً لشروطه القانونية، والمحل هنا هو الدين المحال. كما لم تشترط التشريعات الحديثة في حوالة الدين أن ترد على دين منجز، فقد يكون محل الحوالة ديناً حالاً أو مستقبلاً غير مستحق الأداء، وقد يكون محلها مضافاً إلى أجل أو معلقاً على شرط واقف. ويمكن أن يكون محل الحوالة ديناً مدنياً أو تجارياً بفائدة أو من دون فائدة. ويشترط لحوالة الدين التي تبرم بين المدين الأصلي والمدين الجديد، أن تصدر عن رضى شخص كامل الأهلية وخالٍ من العيوب (الإكراه – التغرير – الغلط). كما يجب وجود سبب لهذه الحوالة، فالمحال عليه قد يقصد إما إقراض المدين مبلغ الدين، وإما الوفاء بدين مترتب في ذمة هذا المدين. وتجدر الإشارة لأن المشرع الإماراتي لم يأخذ بـ "حوالة الحق" نظرا لعدم اتفاق فقهاء الشريعة الإسلامية عليها، وإنما اخذ فقط بـ "حوالة الدين". فلم ينظم قانون المعاملات المدنية الاتحادي "حوالة الحق" كما فعل بالنسبة لـ "حوالة الدين". وقد يؤخذ عدم تنظيم المشرع لحوالة الحق على أنه منع تشريعي لهذا النظام في دولة الإمارات العربية المتحدة، لكن ثمة رأي يرى أن المشرع الإماراتي أقر ضمنا بـ "حوالة الحق"، فبالرغم من عدم تنظيمها تشريعيا تظل نظاما قابلا للتطبيق باتفاق الأطراف.
فالمشرع قد أورد بعض النصوص التي لا يمكن تطبيقها إلا بصدد "حوالة الحق" كنص المادة 1130 والمادة 1131 من قانون المعاملات المدنية الاتحادي. فقد ورد في نص المادة 1130 معاملات أنه "إذا تعددت الحوالة بحق واحد فضلت الحوالة التي تصبح قبل غيرها نافذة في حق الغير...
ولا تكون الحوالة نافذة في حق الغير إلا بإعلانهما رسميا للمحال عليه أو قبوله لها بوثيقة ثابتة التاريخ" . ولما كان هذا النص لا ينطبق على "حوالة الدين"، فلابد من قبول تطبيقه بصدد "حوالة الحق".